فصل: باب التحالف في الدعوى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ***


باب عزل الوكيل

وجه تأخيره ظاهر ‏(‏ للموكل عزل وكيله ‏)‏ عن الوكالة ‏;‏ لأنها حقه فله أن يبطله ‏(‏ إلا إذا تعلق به ‏)‏ أي بالتوكيل ‏(‏ حق الغير كوكيل الخصومة بطلب الخصم ‏)‏ فلا يملك عزله فيصير كالوكالة المشروطة في عقد الرهن ومال الوقف وفيه إشارة إلى أنه لو علق وكالته بالشرط ثم عزله قبل وجوده صح وعليه الفتوى كما في القهستاني وإلى أنه بطل تعليق العزل بالشرط ‏(‏ ويتوقف انعزاله ‏)‏ أي انعزال الوكيل ‏(‏ على علمه ‏)‏ أي علم الوكيل ثم فرعه بقوله ‏(‏ فتصرفه ‏)‏ أي تصرف الوكيل ‏(‏ قبله ‏)‏ أي قبل العلم بانعزاله ‏(‏ صحيح ‏)‏ ‏;‏ لأن في انعزاله بغير علم إضرارا به إذ ربما يتصرف على أنه وكيل فتلحقه العهدة وكذا لو عزل الوكيل نفسه لا يجوز بدون علم الموكل وعند الأئمة الثلاثة ينعزل الوكيل بلا علم منه إلا في قول عنهم ولو جحد الموكل الوكالة فقال ‏:‏ لم أوكلك لا يكون عزلا إلا أن يقول والله لا أوكلك بشيء ويثبت العزل من الوكالة بمشافهة كقوله عزلتك وأخرجتك عن الوكالة وبكتابته وإرساله رسولا عدلا أو غير عدل حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا إذا قال الرسول الموكل أرسلني إليك لأبلغك عزله إياك عن وكالته ولو أخبره فضولي بالعزل فلا بد من أحد شرطي الشهادة إما العدد أو العدالة ‏.‏ وفي الدرر قال وكلتك بكذا على أني متى عزلتك فأنت وكيلي فإنه إذا عزله لم ينعزل بل كان وكيلا له وهذا يسمى وكيلا دوريا وإذا أراد أن يعزله بحيث يخرج عن الوكالة يقول في عزله عزلتك ثم عزلتك فإنه ينعزل ولو قال ‏:‏ كلما عزلتك فأنت وكيلي لا يكون معزولا بل كلما عزل كان وكيلا فإذا أراد أن يعزله يقول رجعت عن الوكالة المعلقة وعزلتك عن المنجزة فحينئذ ينعزل ‏;‏ لأن ما لا يكون لازما يصلح الرجوع عنه والوكالة منه كما في التبيين ‏.‏ وفي التنوير وكله بقبض الدين ملك عزله إن بغير حضرة المديون وإن وكله بحضرته لا إلا إذا علم به المديون فلو دفع المديون دينه إلى الوكيل قبل علمه بعزله يبرأ ‏(‏ وتبطل الوكالة بموت الموكل ‏)‏ ‏,‏ هذا أولى من عبارة الوقاية بموت أحدهما ‏;‏ لأنه قال صاحب الدرر ولما لم يكن لذكر الوكيل هنا فائدة تركته لكن يمكن أن الوكيل لو مات فحق الرد بالعيب لوارثه أو وصيه وإن لم يكن فللموكل في رواية ولوصي القاضي في أخرى كما في القهستاني ففيه فائدة ‏(‏ وجنونه ‏)‏ أي جنون الموكل وكذا جنون الوكيل ‏(‏ مطبقا ‏)‏ أي مستوعبا ‏(‏ وحده ‏)‏ أي حد المطبق ‏(‏ شهر عند أبي يوسف ‏)‏ وكذا عند الإمام في قوله وعليه الفتوى كما في المضمرات ‏(‏ وحول عند محمد ‏)‏ وكذا عند الإمام في قول ‏(‏ وهو المختار ‏)‏ ‏;‏ لأنه يسقط به جميع العادات حتى الزكاة فقدر به احتياطا ‏.‏ ‏(‏ و ‏)‏ تبطل ‏(‏ بلحاقه ‏)‏ أي لحاق الموكل ‏(‏ بدار الحرب مرتدا ‏)‏ عند الإمام ‏;‏ لأن تصرفات المرتد موقوفة عنده فكذا وكالته وإن قتل أو لحق بدار الحرب بطلت الوكالة ‏(‏ خلافا لهما ‏)‏ فإن تصرفاته نافذة عندهما إلا أن يموت أو يقتل على ردته أو يحكم بلحاقه حتى يستقر أمر اللحاق فلو عاد من دار الحرب مسلما ولم يحكم بلحاقه تعود الوكالة عندهم وإن حكم ثم عاد تعود الوكالة عند محمد خلافا لأبي يوسف كما في القهستاني ‏.‏ وفي المنح فظاهر كلام الكنز وغيره من المتون أن كل وكالة تبطل بموت الموكل وجنونه وليس كذلك بل لا بد من استثناء مسائل من هذا الأصل فقال إلا إذا وكل الراهن العدل أو المرتهن ببيع المرتهن عند حلول الأجل فلا ينعزل بموت الموكل وجنونه كالوكيل بالأمر باليد والوكيل ببيع الوفاء وتمامه فيه فليراجع ‏.‏ ‏(‏ وكذا ‏)‏ تبطل وكالته ‏(‏ بعجز موكله ‏)‏ حال كون الموكل ‏(‏ مكاتبا ‏)‏ أي إذا وكل مكاتب وكيلا بالبيع مثلا ثم صار رقيقا بعجزه عن أداء بدل الكتابة بطل وكالة وكيله ‏;‏ لأنه وقع تصرفه في مال الغير بلا أمره ‏(‏ وحجره ‏)‏ أي حجر الموكل حال كونه عبدا ‏(‏ مأذونا ‏)‏ ولا فرق فيه بين العلم وعدمه ‏;‏ لأنه عزل حكمي فلا يتوقف على العلم كالوكيل بالبيع إذا باعه موكله ‏.‏ وفي القهستاني وإنما فصل بكذا للتنبيه على العامل البعيد لا لما ظن أن في ما بعده لم يشترط علم الوكيل وفيه إشعار بأن المكاتب أو المأذون إذا وكل رجلا بالتقاضي أو الخصومة لم تبطل وكالته بالعجز أو الحجر كما في النهاية ‏(‏ و ‏)‏ تبطل الوكالة في حق من لم يوكل صريحا من الشريكين بسبب ‏(‏ افتراق ‏)‏ ‏,‏ هذين ‏(‏ الشريكين ‏)‏ عن الشركة أي يثبت عزل الوكيل بافتراقهما ولا يتوقف على علم الوكيل لما مر أنه عزل حكمي والعلم شرط للعزل الحقيقي وإطلاقه شامل ما إذا افترقا ببطلان الشركة بهلاك المالين أو أحدهما قبل الشراء فتبطل الوكالة الضمنية ‏,‏ وأما إذا وكل الشريكان أو أحدهما وكيلا للتصرف في المال فلو افترقا انعزل في حق غير الموكل منهما إذا لم يصرحا بالإذن في التوكيل وتمامه في البحر فليطالع ‏(‏ وتصرف ‏)‏ هو بالجر أي وكذا تبطل الوكالة بتصرف ‏(‏ الموكل فيما وكل به ‏)‏ تصرفا يعجز الوكيل عن الامتثال به كما إذا وكله بإعتاق عبده أو كتابته أو تزويج امرأة أو شراء شيء أو طلاق أو خلع أو بيع عبد فأعتق أو كاتب أو زوج أو طلق ثلاثا أو واحدة ومضت عدتها أو خالعها أو باع بنفسه ‏,‏ فإن الموكل لو فعل واحدا منها بنفسه لعجز الوكيل عن ذلك الفعل فتبطل الوكالة ضرورة حتى أن الموكل إذا طلقها واحدة والعدة قائمة بقيت الوكالة لإمكان تنفيذ ما وكل به ولو تزوجها بنفسه وأبانها لم يكن للوكيل أن يزوجها منه لزوال حاجته بخلاف ما لو تزوجها الوكيل وأبانها حيث يكون له أن يزوج الموكل ‏;‏ لأن الحاجة باقية كما في الدرر ‏.‏ وفي المنح وتعود الوكالة إذا عاد إلى الموكل قديم ملكه فلو وكله بالبيع فباعه الموكل ثم رد عليه بما هو فسخ فالوكيل على وكالته وإن رد بما يكون فسخا لا تعود الوكالة كما لو وكله في هبة شيء ثم وهبه الموكل ثم رجع في هبته لم يكن للوكيل الهبة ولو وكله بالبيع ثم رهنه الموكل أو آجره فسلمه فهو على وكالته في ظاهر الرواية ولو وكله أن يؤاجر داره ثم آجرها الموكل بنفسه ثم انفسخت الإجارة يعود على وكالته ‏.‏ وفي البزازية لو وكله ببيع داره ثم بنى فيها فهو رجوع عنها عند الطرفين لا التخصيص ‏,‏ والوصية بمنزلة الوكالة أو بقي أثر ملكه كما لو طلق امرأته وهي في العدة فإن تصرف الوكيل غير معتذر بأن يوقع الثاني في العدة وهي أثر ملكه كما تقدم انتهى ‏.‏ لكن في قوله أو بقي شيئان الأول أنه معطوف على قوله عاد ‏,‏ وهو ظرف للعود ولا عود في صورة بقاء الأثر والثاني أنه يلزم التكرار بما سبق من قوله وبتصرفه بنفسه كما لو طلق امرأته وهي في العدة إلى آخره تدبر ‏.‏ ‏(‏ ولا يشترط في الموت وما بعده ‏)‏ من الجنون واللحاق في دار الحرب والعجز وافتراق الشريكين وتصرف الموكل فيما وكل به ‏(‏ علم الوكيل ‏)‏ لما مر أن العلم شرط للعزل القصدي لا للعزل الحكمي كما في أكثر المعتبرات قال يعقوب باشا ‏:‏ وهنا كلام وهو أن في الكافي مسألة تدل على اشتراط العلم في العزل الحكمي أيضا وتمامه فيه فليطالع ‏.‏

كتاب الدعوى

كتاب الدعوى لما كانت الوكالة بالخصومة لأجل الدعوى ذكر الدعوى عقيب الوكالة هي واحدة الدعاوى بفتح الواو وكسرها وبعضهم قال الفتح أولى وبعضهم الكسر أولى ومنهم من سوى بينهما ‏.‏ وفي الكافي يقال ادعى زيد على عمرو مالا فزيد المدعي وعمرو المدعى عليه ‏,‏ والمال المدعى ‏.‏ والمدعى به خطأ والمصدر الادعاء افتعال من دعا والدعوى على وزن فعلى اسم منه وألفها للتأنيث فلا ينون يقال دعوى باطلة أو صحيحة وجمعها دعاوى بفتح الواو لا غير كفتوى وفتاوى والدعوى في الحرب أن يقول الناس بالفلان انتهى ‏.‏

ثم اعلم أنها مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ‏(‏ هي ‏)‏ أي الدعوى في اللغة عبارة عن إضافة الشيء إلى نفسه حال المسالمة أو المنازعة مأخوذ من قولهم ادعى إذا أضاف الشيء إلى نفسه بأن قال لي ومنه دعوى الولد ‏.‏ وفي الشرع يراد به إضافة الشيء إلى نفسه حالة المنازعة لا غير كما في المبسوط وقيل هي في اللغة قول يقصد به الإنسان إيجاب حق على غيره ‏.‏ وفي الشرع ما اختاره المصنف تبعا للوقاية بقوله ‏(‏ إخبار ‏)‏ عند القاضي أو الحكم فإنه شرط كما في الكافي وغيره ‏(‏ بحق ‏)‏ معلوم فإنه شرط ‏(‏ له ‏)‏ أي للمخبر ‏(‏ على غيره ‏)‏ أي على غير المخبر الحاضر لما في التنوير وغيره وشرطها مجلس القاضي وحضور خصم ومعلومية المدعي وكونها ملزمة وكون المدعى مما يحتمل الثبوت فدعوى ما يستحيل وجوده باطلة انتهى ‏.‏ فعلى هذا إطلاق المصنف لا يخلو عن شيء كما في القهستاني إلا أن يقال عدم تقييده بالحضور لكون حضور مجلس القاضي مأخوذا في مفهوم الدعوى وهي مطالبة حق عند من له الخلاص ولئلا يخرج عن التعريف بلا تكلف الدعوى الصادرة عن صاحب كتاب القاضي إلى القاضي في مجلس القاضي الكاتب فإنه دعوى صحيحة حتى يكتب في الكتاب غب الاستشهاد ‏;‏ بالدعوى الصحيحة الصادرة إلى آخره مع أنه إخبار بحق له على غيره وليس بحاضر وأما عدم تقييده بمجلس القضاء فلأنه جعله شرطا وشرط الشيء خارج عن ذلك الشيء تأمل ‏.‏ ‏(‏ والمدعي ‏)‏ شرعا ‏(‏ من لا يجبر ‏)‏ أي لا يكره ‏(‏ على ‏)‏ هذه ‏(‏ الخصومة ‏)‏ أي المخاصمة وطلب الحق فلا يشكل بما كان فيه مخاصما من وجه آخر كما إذا قال قضيت الدين بعد الدعوى فإنه لا يجبر على هذه الخصومة إذا تركها ‏(‏ والمدعى عليه من يجبر ‏)‏ على هذه الخصومة والجواب لكونه منكرا معنى ولو مدعيا صورة ولذا قال محمد في الأصل ‏:‏ المدعى عليه وهو المنكر ‏,‏ وهو الصحيح إذ الاعتبار للمعاني فلا يشكل بوصي اليتيم فإنه مدعى عليه معنى فيما إذا أجبر القاضي على الخصومة لليتيم كما في القهستاني وإنما عرفهما بذلك وعدل عما يقتضي التعريف إشارة إلى اختلاف المشايخ فيهما فقيل المدعي من إذا ترك ترك والمدعى عليه خلافه وهذا حاصل ما ذكر في ‏,‏ هذا المتن قال أبو المكارم ‏:‏ والتعريف المذكور كان عاما صحيحا كما قال في الهداية لكنه تعريف له بما هو حكمه انتهى وقيل المدعي من لا حجة له عليه والمدعى عليه خلاف هذا ولذا يقال لمسيلمة الكذاب مدعي النبوة ولا يقال لرسولنا عليه الصلاة والسلام وقيل المدعي من لا يستحق إلا ببينة والمدعى عليه من يكون مستحقا بلا حجة إذ بقوله هو لي يكون له على ما كان ما لم يثبت المدعي استحقاقه قيل المدعي من يلتمس خلاف الظاهر وهو الأمر الحادث والمدعى عليه من يتمسك بالظاهر كالعدم الأصلي انتهى ‏.‏ إذ لا يعرض على من له اليد حق المدعي بمجرد دعواه كما لا يعرض الوجود على العدم الأصلي فلم يلزم عليه ما قال بعض الفضلاء ومنهم من قال المدعي من يلتمس خلاف الظاهر ولا يلزم أن يكون أمرا حادثا والمدعى عليه من يتمسك بالظاهر ولا يلزم أن يكون عدما أصليا انتهى لأن المراد بالأمر الحادث كونه محتاجا إلى الدليل في ظهوره ووجوده وبالعدم الأصلي عدم كونه محتاجا إليه أصلا فالمودع الذي يدعي رد الوديعة إلى المودع لا يكون مدعيا حقيقة وكذا لا يكون المودع بإنكاره الرد منكرا حقيقة ‏;‏ لأنه بإنكاره يدعي شغل ذمة المودع معنى وكذا المودع بادعائه الرد ينكر الشغل معنى ليفرغ ذمته عن الضمان فيجبر على الخصومة فيما أنكره معنى من الضمان لكونه مدعى عليه فيصدق قوله مع اليمين إذ الاعتبار للمعاني دون الصور كما في شرح الوقاية لابن الشيخ ‏(‏ ولا تصح الدعوى إلا بذكر شيء ‏)‏ أي قول دين أو عين ‏(‏ علم جنسه ‏)‏ أي جنس ذلك الدين كالدراهم والدنانير والحنطة وغيرها ‏(‏ وقدره ‏)‏ مثل كذا وكذا درهما أو دينارا أو كرا قيل لا بد أيضا من ذكره وصفه بأنه جيد أو رديء في دعوى الدين إذ هو يعرف به ‏;‏ لأن إلزام الخصم بالمجهول عند قيام البرهان متعذر وكذا الشهادة والقضاء غير ممكن بخلاف العين كما سيجيء ‏,‏ وفيه إشارة إلى أنه لو كتب صورة الدعوى بلا عجز عن تقريرها لا تسمع كما في القهستاني فإن عجز عن الدعوى عن ظهر القلب فكتب فتسمع كما في الخزانة ‏(‏ فإن كان ‏)‏ المدعى ‏(‏ دينا ‏)‏ أي حقا في الذمة ‏(‏ ذكر ‏)‏ المدعي ‏(‏ أنه يطالبه به ‏)‏ أي أن المدعي يطالب المدعى عليه بالدين ‏;‏ لأن فائدة الدعوى إجبار القاضي المدعى عليه على إيفاء حق المدعي وليس للقاضي ذلك إلا إذا طالبه به فامتنع ‏.‏ ‏(‏ وإن كان ‏)‏ المدعى عينا ‏(‏ نقليا ‏)‏ أي منقولا ‏(‏ ذكر ‏)‏ المدعي ‏(‏ أنها ‏)‏ أي العين ‏(‏ في يد المدعى عليه بغير حق ‏)‏ دفعا لاحتمال أن يكون مرهونا أو محبوسا بالثمن في يده قال صدر الشريعة هذه العلة تشتمل العقار أيضا فلا أدري ما وجه تخصيص المنقول بهذا الحكم ‏.‏ وفي حاشية يعقوب باشا جواب عن طرف صاحب الدرر واعتراض عليه فليطالع ‏(‏ وأنه ‏)‏ أي المدعي ‏(‏ يطالبه ‏)‏ أي المدعى عليه ‏(‏ بها ‏)‏ أي بالعين ‏(‏ ولا بد من إحضارها ‏)‏ أي يكلف إحضار العين منقولة ‏(‏ إن أمكن ‏)‏ الإحضار ‏(‏ ليشار إليها ‏)‏ إي إلى العين ‏(‏ عند الدعوى ‏,‏ و ‏)‏ عند ‏(‏ الشهادة أو الحلف ‏)‏ ‏;‏ لأن الإعلام بأقصى ما يمكن شرط ‏,‏ وذلك بالإشارة في المنقول ‏;‏ لأن النقل ممكن والإشارة أبلغ في التعريف حتى قالوا في المنقولات التي يتعذر نقلها كالرحى ونحوه حضر الحاكم عندها أو بعث أمينا كما في البحر وغيره لكن على رواية وإلا فقوله وإن تعذر يذكر قيمتها يغني عنه تدبر ‏.‏ وفي المجتبى معزيا إلى الإسبيجابي في مسألة الشاهدين إذا شهدا على سرقة بقرة واختلفا في لونها تقبل الشهادة خلافا لهما ثم قال ‏,‏ وهذه المسألة تدل على أن إحضار المنقول ليس بشرط لصحة الدعوى ‏,‏ ولو شرط لأحضرت ولما وقع الاختلاف عند المشاهدة في لونها ثم قال وهذه المسألة الناس عنها غافلون لكن ليس في ذلك دليل على ما ذكر ‏;‏ لأنها إذا كانت غائبة لا يشترط إحضارها والقيمة كافية كما في البحر ‏.‏ ‏(‏ وإن تعذر ‏)‏ أي تعذر إحضار المنقولات بأن كانت هالكة أو غائبة ‏(‏ يذكر قيمتها ‏)‏ ليصير المدعى معلوما بها ‏;‏ لأن الغائب لا يعرف إلا بالوصف والقيمة قال أبو الليث يشترط مع بيان القيمة ذكر الذكورة أو الأنوثة في الدابة ‏,‏ هذا إذا ادعى العين أما إذا ادعى قيمة شيء مستهلك فلا بد من بيان جنسه ونوعه واختلفوا في بيان الذكورة والأنوثة في الدابة قال العمادي ادعى أعيانا مختلفة الجنس والنوع والصفة وذكر قيمة الكل ولم يذكر قيمة عين على حدة اختلف المشايخ فيه بعضهم شرط التفصيل وبعضهم اكتفى بالإجمال ‏,‏ وهو الصحيح ‏;‏ لأنه لو قال غصب مني عينا كذا ولا أدري أنه هالك أو قائم ولا أدري كم كانت قيمته ذكر في عامة الكتب أنه تسمع دعواه ‏;‏ لأن الإنسان ربما لا يعرف قيمة ماله فلو كلف بيان القيمة لتضرر به كما في الكافي فإن عجز عن ردها كان القول في مقدار القيمة قول الغاصب فلما صح دعوى الغصب من غير بيان القيمة فلا يصح إذا بين قيمة الكل جملة كان أولى ‏.‏ وفي التبيين فإذا سقط بيان القيمة عن المدعي سقط عن الشهود أيضا بل أولى وقيل يشترط ذكر القيمة إذا كانت الدعوى سرقة ليعلم أن السرقة كانت نصابا فأما فيما سوى ذلك فلا يشترط كما في الجامع ‏.‏ وفي التنوير وفي دعوى الإيداع لا بد من بيان مكانه سواء كان له حمل أو لا وفي الغصب إن كان حمل ومؤنة فلا بد من بيان موضع الغصب وإلا لا وفي دعوى المثليات لا بد من ذكر الجنس والنوع والصفة والقدر وسبب الوجود ‏(‏ وفي العقار لا يحتاج إلى قوله بغير حق ‏)‏ كما يحتاج إليه في المنقول ‏,‏ ولكن يذكر أن العقار في يده ‏;‏ لأن المدعى عليه لا يكون خصما إلا إذا كان العقار في يده فلا بد من إثباته لكن سؤال صدر الشريعة باق على ما قاله يعقوب باشا في حاشيته ويؤيد ما في القهستاني من قوله ويزيده في العقار أيضا عند بعض المشايخ كما في قاضي خان والخزانة وهو المختار عند كثير انتهى ‏.‏ لكن اختلف المشايخ في الفتوى كما سيأتي تتبع ‏.‏

باب التحالف في الدعوى

باب التحالف لما ذكر حكم يمين الواحد ذكر حكم يمين الاثنين إذ الاثنين بعد الواحد ‏(‏ ولو اختلفا ‏)‏ أي المتبايعان ‏(‏ في قدر الثمن ‏)‏ بأن قال المشتري‏:‏ اشتريت بألف وقال‏:‏ البائع بعت بألفين مثلا ‏(‏ أو ‏)‏ في قدر ‏(‏ المبيع ‏)‏ بأن قال البائع‏:‏ بعت عبدا وقال المشتري عبدين وكذا الحكم لو اختلفا في وصف الثمن أو في الجنس كما في الهداية فعلى ‏,‏ هذا لو حذف القدر لكان أشمل ‏(‏ أو فيهما ‏)‏ أي في الثمن والمبيع جميعا بأن قال البائع‏:‏ بعت عبدا بألفين وقال المشتري لا بل بعت عبدين بألف ‏(‏حكم لمن برهن‏)‏ أي يحكم القاضي لمن أقام البينة منهما‏;‏ لأن الجانب الآخر مجرد الدعوى والبينة أقوى منها إذ هي متعدية حتى توجب القضاء فلا يعارضها مجرد الدعوى ‏.‏ ‏(‏ وإن برهنا ‏)‏ أي أقام كل منهما البينة بما ادعاه ‏(‏ فلمثبت الزيادة ‏)‏ أي يحكم لمثبت الزيادة ‏;‏ لأنه خالص عن المعارض أما إذا كان الاختلاف في أحدهما فظاهر ‏,‏ وأما فيهما فحجة البائع في الثمن الأكثر وحجة المشتري في المبيع الأكثر أولا فيحكم بعبدين للمشتري وبألفين للبائع ‏.‏ ‏(‏ وإن عجزا ‏)‏ أي البائع والمشتري ‏(‏ عن ‏)‏ إقامة ‏(‏ البرهان قيل لهما إما أن يرضى أحدكما بدعوى الآخر وإلا فسخنا البيع ‏)‏ ‏;‏ لأن المقصود قطع المنازعة وهذا وجه في طريق قطع المنازعة فيجب أن لا يعجل القاضي بالفسخ ‏(‏ فإن لم يرض ‏)‏ والأنسب بالواو ‏(‏ أحدهما بدعوى الآخر تحالفا ‏)‏ أي استحلف الحاكم كل واحد منهما على دعوى صاحبه فإن قال قبل القبض فهو قياسي ‏;‏ لأن كلا منهما منكر وأما بعده فاستحساني فقط ‏;‏ لأن المشتري لا يدعي شيئا ‏;‏ لأن المبيع سالم له بقي دعوى البائع في زيادة الثمن ‏,‏ والمشتري ينكره فيكتفى بحلفه لكن عرفناه بالنص ‏,‏ وهو قوله عليه الصلاة والسلام إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا كما في البحر وغيره لكن ما في القهستاني نقلا عن المضمرات من أن التحالف يصح قبل قبض البيع ‏,‏ وهذا استحسان فإن المشتري ينكر وجوب تسليمه والقياس أن لا يصح ‏;‏ لأنه ملك المبيع ولا يصح بعد قبضه قياسا واستحسانا مخالف لما في البحر وغيره تتبع ‏.‏ وإنما قال المصنف فإن لم يرض أحدهما ولم يقل وإن لم يرضيا كما في الكنز وغيره ‏;‏ لأن شرط التحالف عدم رضى واحد لا عدم رضى كل منهما كما لا يخفى كما في البحر وغيره فعلى ‏,‏ هذا ما قاله صاحب الفرائد من أنه كان المناسب وإن لم يرضيا إلى آخره ليس بوارد تدبر ‏.‏ ‏(‏ وبدئ ‏)‏ يبدأ القاضي ‏(‏ بيمين المشتري ‏)‏ في الصور الثلاث لو بيع عين بدين ‏,‏ هذا قول محمد وزفر وأبى يوسف آخرا وهو رواية عن الإمام وهو الصحيح ‏;‏ لأنه أقواهما إنكارا ‏;‏ لأنه المطالب بالثمن فيكون هو البادي بالإنكار وكان أبو يوسف يقول ‏:‏ أولا يبدأ بيمين البائع وهو قول الشافعي في الأصح وقيل يقرع بينهما ‏,‏ هذا إذا كان بيع عين بدين وإن كان بيع عين بعين أو ثمن بثمن فالقاضي مخير للاستواء ‏.‏ وعن هذا قال ‏(‏ وفي المقايضة ‏)‏ أي في بيع العين بالعين يبدأ القاضي ‏(‏ بأيهما شاء ‏)‏ لاستوائهما في فائدة النكول وصفة اليمين أن يحلف البائع بالله ما باعه بألف ولقد باعه بألفين ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين ولقد اشتراه بألف يضم الإثبات إلى النفي تأكيدا والأصح الاقتصار على النفي ‏;‏ لأن الأيمان وضعت للنفي كالبينات للإثبات ‏.‏

فصل أحكام دفع الدعاوى ‏(‏ قال ذو اليد ‏)‏ في جواب من ادعى شيئا في يده أن ‏(‏ هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب أو أعارنيه أو آجرنيه أو رهنيه أو غصبته منه ‏)‏ أي من فلان الغائب ‏(‏ وبرهن على ذلك ‏)‏ المذكور ‏(‏ اندفعت خصومة المدعي ‏)‏ ‏;‏ لأنه أثبت أمرين أحدهما الملك للغائب ‏,‏ وهو غير مقبول شرعا ‏,‏ والآخر دفع خصومة المدعي وهذا مقبول ‏.‏ وقال ابن شبرمة لا تسقط خصومة المدعي ‏;‏ لأن البينة تثبت الملك للغائب ولا ولاية لأحد على غيره في إدخال شيء في ملكه بلا رضاه ‏.‏ وقال ابن أبي ليلى ‏:‏ تسقط الخصومة بلا بينة ‏;‏ لأنه لا تهمة فيما أقر به على نفسه فتبين أن يده يد حفظ لا يد خصومة ‏(‏ وقال أبو يوسف فيمن عرف بالحيل ‏)‏ جمع حيلة ‏(‏ لا تندفع ‏)‏ الخصومة ‏(‏ وبه يؤخذ ‏)‏ واختاره في المختار أن المدعى عليه إن كان صالحا فكما قال الإمام وإن كان معروفا بالحيل لم تندفع عنه ‏;‏ لأنه قد يأخذ مال الغير غصبا ثم يدفع سرا إلى من يريد أن يغيب ‏,‏ ويقول له أودعه عندي بحضرة الشهود قصدا لإبطال حق الغير فلا تقبل بينته لهذه التهمة ‏.‏ ‏(‏ وإن قال الشهود أودعه من لا نعرفه لا تندفع ‏)‏ الخصومة بالإجماع لاحتمال أن يكون المدعي من أودعه ‏(‏ بخلاف قولهم ‏)‏ أي قول الشهود ‏(‏ نعرفه ‏)‏ أي المودع ‏(‏ بوجهه ‏)‏ لو رأيناه ‏(‏ لا باسمه ونسبه حيث تندفع ‏)‏ الخصومة ‏.‏ ‏(‏ عند الإمام ‏)‏ ‏;‏ لأن القضاء لا يقع على الغائب ليشترط العلم بنفسه أو نسبه وإنما يقضي على المدعي بالدفع عن ذي اليد وهما معلومان وهو أثبت بينة أنه ليس بخصم لهذا المدعي ‏(‏ خلافا لمحمد ‏)‏ فإنه قال ‏:‏ لا تندفع الخصومة معروفا كان بالحيلة أو لا وإنما تندفع إذا عرف الشهود ذلك الرجل باسمه ونسبه ‏;‏ لأن الخصومة توجهت على ذي اليد بظاهر يده ولا تندفع إلا بالحوالة على رجل يمكن اتباعه والمعروف بالوجه لا يكون معروفا فصار ‏,‏ هذا بمنزلة قول الشهود لا نعرفه أصلا ‏.‏ وفي البزازية وتعويل الأئمة على قول محمد فهذه المسألة تسمى بمخمسة كتاب الدعوى للاشتمال على قول الإمام وأبي يوسف ومحمد وابن أبي ليلى وابن شبرمة كما ترى ‏;‏ أو لأن صورها خمس وديعة وإجارة وإعارة ورهن وغصب كما في أكثر الكتب لكن في المنح ‏,‏ هذا إذا ادعى المدعي ملكا مطلقا في العين كما أفاده عدم تقييده ويدل عليه ما سيأتي من المسائل القابلة لهذا ومن المعلوم أن فرض هذه المسألة بعد إقامة المدعي البرهان لما تقرر في كلامهم من أن الخارج هو الطالب بالبرهان ‏,‏ ولا يحتاج المدعى عليه إلى الدفع قبله وحاصله أن المدعي لما ادعى الملك المطلق فيما في يد المدعى عليه أنكره وطلب من المدعي البرهان فأقامه ولم يقض القاضي به حتى دفعه المدعى عليه بما ذكر وبرهن على الدفع ‏.‏ وفي البحر وكذا الحكم لو قال وكلني صاحبه بحفظه كما في المبسوط وكذا الحكم لو قال أسكنني فيها فلان الغائب وكذا الحكم لو قال سرقته منه أو أخذته منه أو ضل منه فوجدته كما في الخلاصة فالصور عشر وبه علم أن الصور لم تنحصر في الخمس فالأولى أن يفسر المخمسة بالأقوال ‏.‏ ‏(‏ ولو قال ‏)‏ ذو اليد ‏(‏ اشتريته منه ‏)‏ أي من فلان الغائب ‏(‏ لا تندفع ‏)‏ الخصومة لكون يده يد خصومة لاعترافه سبب الملك ‏,‏ وهو الشراء ‏.‏ ‏(‏ وكذا ‏)‏ لا تندفع الخصومة ‏(‏ لو قال المدعي سرقته ‏)‏ بتاء الخطاب ‏(‏ أو غصبته مني ‏)‏ فقال ذو اليد أودعنيه فلان الغائب ‏.‏ ‏(‏ وإن ‏)‏ وصلية ‏(‏ برهن ذو اليد على إيداع الغائب ‏)‏ ‏;‏ لأن المدعي لما قال لصاحب اليد غصبته مني صار ذو اليد خصما باعتبار دعوى الفعل عليه وفيه لا يمكنه الخروج عنها بالإحالة على الغير ‏;‏ لأن اليد في الخصومة فيها ليس بشرط حتى تصح دعواه على غير ذي اليد ‏,‏ ولا تندفع الخصومة بانتفاء يده حقيقة بخلاف الملك المطلق ‏.‏ ‏(‏ وكذا ‏)‏ لا تندفع ‏(‏ إن قال ‏)‏ المدعي ‏(‏ سرق مني ‏)‏ على البناء للمفعول عند الشيخين استحسانا ‏(‏ خلافا لمحمد ‏)‏ وهو القياس ‏;‏ لأنه لم يدع الفعل على ذي اليد بل على مجهول فصار كما لو قال غصب مني على البناء للمفعول ‏,‏ ولهما أن ذكر الفعل يستدعي الفاعل لا محالة والظاهر أنه ذو اليد إلا أنه لم يعينه درء للحد عنه فصار كأنه قال له سرقته مني بخلاف الغصب فإنه لا حد فيه فلو قضى عليه ثم حضر الغائب فأقام البينة تقبل ‏;‏ لأنه لم يصر مقضيا عليه ‏,‏ وإنما قضى على ذي اليد فقط ‏.‏ وفي التنوير قال في غير مجلس الحكم أنه ملكي ثم قال في مجلسه أنه وديعة عندي من فلان تندفع من البرهان على ما ذكر ‏,‏ ولو برهن المدعي على مقالته الأولى يجعله خصما ‏,‏ ويحكم عليه لسبق إقراره ويمنع من الدفع ‏.‏ ‏(‏ ولو قال المدعي ابتعته من زيد وقال ذو اليد أودعنيه هو ‏)‏ أي زيد ‏(‏ اندفعت ‏)‏ الخصومة ‏(‏ بلا حجة ‏)‏ ‏;‏ لأنهما اعترفا على أن الملك في الأصل لغيرهما فيكون وصوله إلى صاحب اليد من جهة زيد البائع فلا تكون يده يد خصومة ‏(‏ إلا إذا برهن المدعي أن زيدا وكله بقبضه ‏)‏ فحينئذ لا تندفع وتصح دعواه ‏;‏ لأنه أثبت بينة كونه أحق بإمساكها ولو صدقه ذو اليد في شرائه منه لا يأمره القاضي بالتسليم إليه حتى لا يكون قضاء على الغائب بإقراره وهي عجيبة ‏.‏ وفي البحر قيد بتلقي اليد من الغائب للاحتراز عما إذا قال ذو اليد أودعنيه وكيل فلان ذلك لم تندفع إلا بينة ‏;‏ لأنه لم يثبت تلقي اليد ممن اشترى هو منه لإنكار ذي اليد ولا من جهة وكيله لإنكار المدعي وكذا لو أثبت بالبينة أنه دفعها إلى الوكيل ‏,‏ ولم يشهدوا أن الموكل دفعها إلى ذي اليد وتقييده بدعوى الشراء من الغائب اتفاقي ففي البزازية ادعى أنه له غصبه منه فلان الغائب وبرهن عليه ‏,‏ وزعم ذو اليد أن ‏,‏ هذا الغائب أودعه عنده اندفعت الخصومة لاتفاقهما على وصول العين من غيره وإن صاحب اليد ذلك الرجل بخلاف ما لو كان مكان دعوى الغصب دعوى السرقة فإنه لا تندفع بزعم ذي اليد إيداع ذلك الغائب في الاستحسان انتهى ‏.‏